قصة وااااقعية ... تحدثت بها إحدى الزميلات ها عن تلك المراة التي عاشرتها في أيام دراستهن بأحد دور الذكر ... وسأترك القلم لها لكي تتكلم مع تلك المرأة وعنها وعن ما حدث لها. :
حينما تشير عقارب الساعة إلى الثالثة والنصف... مساءا.. أراكِ تمشين داخل المبنى الكبير…….
"مبنى المدرسة" تستعينين بالجدار تارة.. وتارة تمسكين بعصاكِ الصفراء الطويلة .. التي أرهقتها السنون كما أرهقتكِ ..
فتدخلين وبصوت منهمك ولهجة هادئة.. تلقين علينا السلام.. فنبادلك إياه بكل احترام وتبجيل..
وتلتقطين أنفاسك .. وتفتحين حقيبة صغيرة كنتِ تحملينها بيدك..وتخرجين منها .. مصحفا كبيرا فتضعينه على طاولتك المدرسية ثم تخرجين نظارتك التي تأخذ نصف مساحة وجهك المشرق بنورالإيمان... ثم تبسملين ...
أسمع إحداهن تقترب منك وتناديكِ .. يا خاله.. لو وضعنا لك بساطًا تستلقين عليه وتريحين ظهرك من جلسة المقعد؟؟
فتجيبينها : دعيني يا بنتي أجلس كما تجلسين .. فقدا جئنا لنحفظ لا لنستلقي.. فيضجُ المكان بهمس جماعي...: " يا لله حسن الختام "
يسألونكِ: ماذا حفظت يا خاله ؟؟ فتجبينهن : الله يرحمنا برحمته ما حفظنا شيء ... " بس قصار السور...
مع ("الزهراوين" البقرة و آل عمران ) أسمع تلاوتك فتروقني بحسنها .. وخشوعها.. أودُّ لو أطلتِ بالقراءة.. ولكنكِ تقطعينها وتقفين عند أحد مخارج الحروف.. وتقولين للمعلمة .. على استحياء: اعذريني يا بنيتي فهذا المخرج يعجز عن نطقه لساني..
يدق الجرس مذكرا إيانا بالرحيل.. فتنهض إحدانا مسرعة نحوكِ وعلى مرأى منَّا تطبع على رأسكِ قبلة وتقول:
"إنا نحبك ِ في الله "
وفي الغد..نأتي تتلاقى قلوبنا قبل أجسادنا..أبحث عنكِ..أطيل النظر في مقعدك يؤلمني أن أرآه خاليًا..أسمع صوتًا من خلفي : أين الخالة " أم عبد العزيز " ؟؟
منذ عام وهي أول من تأتي وآخر من تذهب.. وتدخل المعلمة.. والحزن بادٍ على وجهها ..أربكنا حالها .. إنها تريد أن تتحدث فلا تقدر.. وفجأة تنكب على مقعد الخالة وتبكي بكاءا مريرا فيختلط بكلامها .. وهي تقول :
" أم عبد العزيز " أختارها الله إلى جواره ليلة البارحة... فيضج المكان ببكاء حار امتزج فيه صوت النشيج مع استرجاع الأنفاس... " إنّاَ لله وإنَّا إليه راجعون "
يا لله ما أشد رخصكِ أيتها الدنيا!! لكم أنتِ صغيرة من قبل ومن بعد .. أذهبتِ يا "أم عبد العزيز" إلى جوار ربكِ؟
أهالوا عليكِ التراب ؟ أتتركيننا يا خاله ولم تكملي سورة " المائدة " التي كنتِ جازمة على حفظها معنا...
ولم تحضري حفيدتكِ ذات الثمانية عشر ربيعًا لتنضمَّ إلينا كما كنتِ تنوين... هل حدثتِ ابنكِ الذي تجاوز الأربعين عاما عن سم "الصحون الفضائية" التي اشتراها بعزيز ماله وعلقها على سطح بيته ؟
ليته رأى تلك العبرات التي كانت بكِ وأنتِ تتحدثين عن هذه "الصحون"... ليته وافق على مخاوفكِ وخشيتكِ على حفيدتكِ منها.... ما أكبر همكِ يا خاله !! تحفظين كتاب الله وتدعين إليه رغم الوهن الذي أصابكِ....
بربكِ أكانت سنوات عمركِ السبعين تحتمل كل هذا الانتظام في حلق الذكر...ومكابدتها؟!!!
(فمن يطيق ما كنتِ تطيقين) ؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!
ولكم مني ومن صاحبة تلك القصة الواقعية أجمل التحايا ... وجعل خاتمتنا خاتمة حسنة بإذنه تعالى
وجمعنا بتلك المرأة في جنة الخلد ... في الفردوس الأعلى
ودمتن.
__________________
سبحان الله وبحمده ....... سبحان الله العظيم
الثلاثاء يونيو 03, 2008 1:26 am
